المادة والروح: الحياة والموت في حضارة الفترة النحاسية في أرض إسرائيل
ازدهرت حضارة العصر النحاسي (الكالكوليتية) المتأخرة في البلاد خلال الفترة ما بين النصف الثاني من الألفية الخامسة والنصف الأول من الألف الرابع قبل الميلاد (حوالي 4500-3600 ق.م). نجد اثارها في جميع أنحاء البلاد، من الجولان في الشمال وحتى صحراء يهودا والنقب في الجنوب. شكل المواقع متنوعة، من بينها مئات المواقع السكنية، عشرات المقابر وأماكن العبادة.
كانت حضارة العصر النحاسي فعالة (ديناميكية)، لها خصائص تمييزها عن الحضارات التي سبقتها العصر الحجري الأخير، وعن حضارات العصر البرونزي القديم التي جاءت بعدها. خلال ذلك العصر أُنشأ نظام اجتماعي مركب وطبقي، ابتكِرت تقنيات إنتاج جديدة وتوطدت العلاقات التجارية على الصعيدين المحلي والأقليمي، أهمها كان إنتاج المواد الخام وتوفيرها.
خلال العصر النحاسي، لأول مرة يتم إنتاج النحاس ومنه صنعت أدوات العمل، الأغراض الثمينة واغراض الطقوس الدينية، أنتجت بعضها بتقنية "الشمع المفقود". جلبت "الثورة المعدنية" معها تغييرات اقتصادية واجتماعية، كان لها تأثير كبير وجذري على تاريخ البشر. الى جانب صناعة النحاس ازدهرت صناعات متخصصة أخرى، مثل صناعة البازلت، العاج والصدف وايضا صناعة الحجارة، التي استخدمت لإنتاج الأغراض الثمينة والدينية، مثل الأطباق، المباخر، القواعد المنحوتة، التماثيل، الخرز والقلائد. استخدمت صناعة الفخار لأول مرة على نطاق واسع بسبب اختراع "العجلة البطيئة" وتطوير تقنية شوي الاواني. بالإضافة الى الاواني اليومية، تخصصت صناعة الفخار خلال هذه الفترة في انتاج حاويات الدفن، كصناديق عظام الموتى والجِرار، بمختلف الأشكال، الأحجام والزخارف.
بدأت دراسة حضارة العصر النحاسي المتأخرة في البلاد خلال سنوات الثلاثينات من القرن العشرين في حفريات مغارتي أم قطفة وأم قلعة في صحراء يهودا ومقبرة في الخضيرة. على مر السنين، تم التنقيب في العشرات من المواقع، التي زودتنا بعشرات الآلاف من القطع الأثرية، الموجودة اليوم في مخازن كنوز الدولة التابعة لسلطة الآثار. لم تُعرض معظمها أبدا. اختيرت لهذا المعرض حوالي 800 قطعة أثرية، من خلالها يمكننا رؤية الجانب "المادي والروحي" لهذه الحضارة الفريدة وجوانبها المختلفة: الحياة اليومية، الإيمان والطقوس الدينية وعادات الدفن. نقدم هذا المعرض كتقدير كبير لعلماء الآثار، أمناء المتاحف، خبراء الصيانة والترميم والرسامين، الذين بذلوا تسعة عقود من التنقيب، الدراسة، الصيانة وتوثيق حضارة العصر النحاسي المتأخر في البلاد. هذا المعرض هو ثمرة جهودهم.